فصل: فصل في أَحْكَامِ الاعْتِكَافِ في المَسْجِدْ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل في فَضَائِل الاسْتِغْفَار:

يُسْتَحَبُّ الإِكْثَارُ مِن الاسْتِغْفَار في كُلِّ وَقْتٍ وَيتَأَكَّدُ في الزَّمَانِ الفَاضِل وَالمَكَانِ الفَاضِلْ، قال تَعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ}، وقال: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}؛ وقال تعالى مُخْبِرًا عن نوح: {... فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ} الآيَةْ، وقَالَ تَعَالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ}، وقَالَ تَعَالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً}.
وَعَنْ شَدَّادٍ بنُ أوسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَال: «سَيِّدُ الاسْتِغْفَارُ أَنْ يَقُولَ العَبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْت، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلِي، وَأَبُوء بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ».
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَال: إِنَّا كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في المَجْلِسِ يَقُول: «رَبَّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَابُ الغَفُور». مائةَ مَرَّةْ.
وَعَنْ عَبْدُ اللهِ بنْ بُسْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «طٌوبَى لِمَنْ وُجِدَ في صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَة لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ في الجَنَّة فَيَقُولُ: يَا رِبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكْ».
يِا ذَا المَعَارِجَ أَنْتَ الله أَسْألهُ ** وَأَنْتَ يَا رَبِّ مَدْعوٌّ وَمَسْئُولُ

أَدْعُوكَ أَدعُوكَ يَا قَيُّومُ فِي ظُلَمَ ** وَكُل دَعٍ بِحُلْوِ النَّوْمِ مَشْغُولُ

تُعْطِي لِمَنْ شِئْتَ مَنْ يَسْأَلُكَ مِنْ سَعَةٍ ** وَالخَيْرُ مِنْكَ لِمَنْ ناَدَاكَ مَبْذُولُ

تَغْفِرْ ذُنُوبِي وَتَخْتُمُ لِي بَخَاتِمِةٍ ** تُرْضِيكَ عَنِّي وَظَنِّي فِيكَ مَأمُولُ

وَعَنِ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب».
وَعَنِ الأَغَرَّ الْمُزْنِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة».
وَقَالَ حُذَيْفَةْ: كُنْتُ ذَرِبَ اللِّسَانِ عَلِى أَهْلِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يُدْخِلَنِي لِسَانِي النَّارْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَأَيْنَ أَنْتَ مِنَ الاسْتِغْفَار، فَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهُ في اليْوَمِ مِائَةَ مَرَّة». أَخْرَجَهُ النِّسَائِي.
وَعَنْ زَيْدٍ مَوْلَى رَسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدْ.
وَعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ- ثَلاَثَ مَرَّاتٍ- غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبَهُ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ أَيَّامِ الدُّنْيَا». رَوَاهُ التِّرْمِذِي.
وعنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ منك وَلاَ أُبَالِى، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً». رَوَاهُ التِّرْمِذِي. وَاللهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمِ.
فصل:
وَعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ إِبْلِيسُ: وَعِزَّتِكَ لا أَبْرَحُ أَغْوي عِبادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ في أَجْسَادِهُم، فَقَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي لا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ ما اسْتَغْفَرُونِي».
وَعَنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ تَسُرُّهُ صَحِيفَتُهُ فَلْيُكْثِر فِيهَا مِنَ الاسْتِغْفَارْ».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم قَال: «إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئةً نُكِتَتْ في قَلْبِهِ نُكْتَةٌ، فَإِنْ هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَتْ، فَإِنْ عَادْ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُو قَلْبَهُ، فَذَلِكَ الرَّانُ الذِي ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}».
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللهُ صلى الله عليه وسلم قَال: «إِنَّ لِلْقُلُوبِ صَدَأٌ كَصَدَأ النُّحَاسِ، وَجَلاؤُهَا الاسْتِغْفَارُ».
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ بنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في مَسِيرَةٍ فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا الله» فَاسْتَغْفَرْنَا، فَقَالَ: «أَتِمُّوهَا سَبِعِينَ مَرَّة». فَأَتْمَمْنَاهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ وَلا أَمَةٍ يَسْتَغِفِرُ اللهَ في يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةٌ إِلا غَفَرَ اللهُ لَهُ سَبْعُمِائَةَ ذَنْب، وَقَدْ خَابِ عَبْدُ أَوْ أَمَة عَمِلَ في يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِمائَةِ ذَنْبٍ».
وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ تَعَالَى فَيَغْفِرُ لَهُمْ». رَوَاهُ مُسْلِم.
وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانْ: «فاسْتَكْثِروا فِيهِ مِنْ خِصْلَتِيْنِ تُرْضُونَ بِهِمَا رَبَّكُمُ فَشَهَادَةُ أَنَّ لا إِلَهَ إَلا اللهَ، والاسْتِغْفَارُ، وَأَمَّا التِي لا غِنَى بِكُمْ عَنْهُمَا فَتَسْأَلُونَهُ الجَنَّةَ، وَتَعُوذُونَ بِهِ مِنَ النَّارْ».
فَهَذِهِ الخِصَالُ الأَرْبَعُ المَذْكُورَةِ في الحَدِيثِ كُلٌّ مِنْهَا سَبَبٌ لِلْمَغْفِرَةِ وَالعْتقِ مِنَ النَّار فَأمَّا كَلِمَةُ الإِخْلاصِ فَإِنَّهَا تَهْدِمُ الذُّنُوبِ وَتَمْحُوهَا مَحْوًا وَلا تُبِقِي ذَنْبًا، وَلا يَسْبِِقُهَا عَمَلٌ، وَهِي تَعْدِلُُ عِتْقُ الرِّقَابِ الذِي يُوجِبُ العِتْقَ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ أَتَى بِهَا حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي أَعْتَقَهُ اللهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ قَالَهَا خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ.
وَأَمَّا كَلِمَةُ الاسْتِغْفَارُ فَمِنْ أَعْظَمُ أَسْبَابِ المَغْفِرَةْ. فَإِنَّ الاسْتِغْفَارَ دُعَاءٌ بِالمَغْفِرَةِ، وَدُعَاءُ الصَّائِمِ إِذَا اجْتَمَعَتْ لَهُ الشُّرُوطُ وَانَتَفَتْ المَوَانِعَ مُسْتَجَابٌ حَالَ صِيَامِهِ وَعِنْدَ فِطْرِهِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَيَغْفِرُ اللهُ إِلا لِمَنْ أَبِى، قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: يَأْبَى أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللهُ.
وَقَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ: يَا بُنَيَّ عَوِّدْ لِسَانِكَ الاسْتِغْفَارَ، فَإِنَّ لِلَّهِ سَاعَاتٍ لا يَرُدُّ فِيهِ سِائِلاً، وَقَدْ جَمَعَ اللهُ بَيْنَ التَّوْحِيدِ والاسْتِغْفَارِ في قَوْلِهِ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ}.
وَفِي بَعْضِ الآثَارْ: أَنَّ إِبْلِيسَ قَالَ: أَهْلَكْتُ النَّاسَ بِالذُّنُوبِ وَأَهْلَكُونِي بِالاسْتِغْفَارِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللهُ.
وَالاسْتِغْفَارُ خِتَامُ الأَعْمَال الصَّالِحَةِ كُلِّهَا فَيُخْتَمُ بِهِ الصَّلاةُ، والحَجُّ، وَالْقِيامُ في اللَّيْلِ، وَيُخْتَمُ بِهِ المَجَالِسُ، فَإِنْ كَانَتْ ذِكْرًا كَانَ كَالطَّابِعَ عَلَيْهَا وَإْنِ كَانَتْ لَغْوًا كَانَ كَفَّارَةٌ لَهَا، فَكَذَلِكَ يَنْبِغِي أَنْ يُخْتَتَم صِيَامُ رَمَضَانَ بالاسْتِغْفَارِ يُرَفِّعُ مَا تَخَرَّقَ مِنَ الصِّيَامِ بِاللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَيَجْتَهِدُ في الإِكْثَارِ مِنَ الأَعْمَالِ وَالتَّقَلُّلِ مِنَ شَوَاغِلِ الدُّنْيَا وَالإِقْبَالِ عَلَى الآخِرَةِ مَا دَامَ في قَيْدِ الحَياَةِ.
وَمِنْ عِظَةِ الحَسَنَ الْبَصْرِي لِعُمَرَ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا دَارُ ظَعَنِ لَيْسَتْ بَدَارَ إِقَامَة، لَهَا فِي كُلِّ حِينٍ قَتِيلٍ تُذِلَّ مِنْ أَعَزَّهَا وَتُفْقِرُ مَنْ جَمَعَهَا هِيَ كَالسُّمِّ يَأْكُله مَنْ لا يَعرِفُهُ وَفِيهِ حَتْفُهُ فَكُنْ فِيهَا كَالمُدَاوِي جِرَاحُهُ يَحْتَمِي قَلِيلاً مَخَافَةَ مَا يَكْرَهُ طَوِيلاً وَيَصْبِرُ عَلَى شِدَّةِ الدَّوَاءِ مَخَافَةِ طُولِ الدَّاءِ، فَاحْذَرْ هَذِهِ الدُّنْيَا الخَدَّاعةَ الغَدَّارَةَ الخَتَّالَةَ التِي قَدْ تَزَيَّنَتْ بِخِدَعِهَا وَقَتَلَتْ بَغُرُورِهَا وَتَحَلَّتْ بِآمَالَهَا وَسَوَّفَتْ بِخُطَّابِهَا.
فَأَصْبَحَتْ كَالعَرُوسَ المَجْلِيَّةِ، العُيُونُ إِلَيْهَا نَاظِرَةٌ وَالْقُلُوبُ عَلَيْهَا وَالِهَةٌ وَهِي لأَزْوَاجِهَا كُلِّهِمْ قََالِيَة، فَلا الْبَاقِي بِالْمَاضِي مُعْتَبِرٌ وَلا الآخِرُ بِالأوَّلِ مُزْدَجِرٌ فَعَاشِقٌ لَهَا قَدْ ظَفِرَ مِنْهَا بِحَاجَتِهِ فَاغْتَرَّ وَطَغَى وَنَسِي المَعَادَ فَشَغَلَ فِيهَا لُبَّهُ حَتَّى زَلَّتْ بِهِ قَدَمُهُ فَعَظُمَتْ نَدَامَتُهُ وَكُثُرَتْ حَسْرَتُهُ وَاجْتَمَعْتَ عَلَيْهِ سَكَرَاتُ الْمَوْتِ وَتَأَلُمِهُ وَحَسَرَاتُ الفَوْتِ بِغُصَّتِهِ وَرَاغِبٌ فِيهَا لَمْ يُدْرِك مِنْهَا مَا طَلَبْ وَلَمْ يُرِجْ نَفْسَهُ مِنَ التَّعَبِ فَخَرَجَ بِغَيْرِ زَادٍ وَقَدَمَ عَلَى غَيْرِ مِهَادٍ.
فَاحْذَرْهَا يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ وَكُنْ أَسَرَّ مَا تَكُونُ فِيهَا أَحْذَرُ لَهَا فَإِنَّ صَاحِبَ الدُّنْيَا كُلَّمَا اطْمَأَنَّ فِيهَا إِلَى سُرُورٍ أَشْخَصَتْهُ إِلَى مَكْرُوهٍ وَضَارٍ وَقَدْ وَصَلَ الرَّخَاءُ مِنْهَا بِالْبَلاءِ وَجُعِلَ البَقَاء إلى فَناءِ فَسُرُورُهَا مُشُوبٌ بِالأَحْزَانْ، أَمَانِيهَا كَاذِبَةٌ وَآمَالُهَا بَاطِلَةٌ وَصَفْوهَا كَدَرٌ وَعَيْشُهَا نَكَدٌ وَابْنُ آدَمَ فِيهَا عَلَى خَطَرٍ. اهـ.
فَيَا أَيُّهَا النَّاسِي لِيَوْمِ رَحِيلِهِ ** أَرِاكَ عَنِ الموتِ المُفِرِّقِ لاهِيًا

أَلا تَعْتَبِرُ بِالرَّاحِلِينَ إِلَى الْبَلَى ** وَتَرْكِهُمُ الدُّنْيَا جَمِيعًا كَمَا هَيَا

وَلَمْ يَخْرُجُوا إِلا بِقُطْنٍ وَخِرْقَةٍ ** وَمَا عَمَّرُوا مِنْ مَنْزِلٍ ظَلَّ خَالِيَا

وَأَنْتَ غَدًا أَوْ بَعْدَهُ فِي جِوَارِهِمْ ** وَحِيدًا فَرِيدًا فِي المَقَابِر ثَاوِيَا

اللَّهُمَّ يا مَنْ لا تَضُرَّهُ الْمَعْصِيةُ ولا تَنْفَعَهُ الطَّاعَةِ أَيْقِظْنَا مِنْ نَوْمِ الغَفْلَةِ وَنَبَّهْنَا لاغْتِنَامِ أَوْقَاتِ الْمُهْلَةِ وَوِفِّقْنَا لِمَصَالِحْنَا وَاعْصِمْنَا مِنْ قَبَائِحْنَا وَذُنُوبنَا وَلا تُؤاخِذْنَا بِمَا انْطَوَتَ عَلَيْهِ ضَمَائِرُنَا وَأَكَنَّتْهُ سَرائِرُنَا مِنْ أَنْوَاعِ القَبَائِحِ والْمَعَائِبِ التي تَعْلَمُهَا مِنَّا، وامنُنْ عَلَيْنَا يَا مَوْلانَا بِتَوْبَةٍ تمحو بها عنا كُلَّ ذَنْبٍ، اللَّهُمَّ أنْظُمْنَا فِي سِلْكِ الفَائِزِينَ بِرِضْوَانِكَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ الْمُتَّقِينَ الذِينَ أَعْدَدْتَ لَهُمْ فَسِيحَ جِنَانِكَ، وَأَدْخِلْنَا بِرَحْمَتِكَ فِي دَارِ أَمَانِكَ وَعَافِنَا يَا مَوْلانَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مِنْ جَمِيعِ البَلايَا وَأَجْزِلْ لَنَا مِنْ مَوَاهِبِ فَضْلِكَ وَهِبَاتِكَ وَمَتِّعْنَا بَالنَّظَرِ إِلى وَجْهِكَ الكَرِيمِ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ، وَاغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

.فصل في أَحْكَامِ الاعْتِكَافِ في المَسْجِدْ:

الاعْتِكَافُ لُغَةً: لُزُومِ الشَّيْءِ، وَحَبْسُ النَّفْسِ عَلَيْهِ بِرًّا كَانَ أَوْ غَيْرُهُ، وَفِي الشَّرْعِ: لُزُومِ مُسْلِمٍ لا غُسْلَ عَلَيْهِ، عَاقِلٍ وَلَوْ مُمَيَّزًا مَسْجِدًا وَلَوْ سَاعَةً مِن لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ لِطَاعَةِ اللهِ.
وَهُوَ سُنَّةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَفِي رَمَضَانَ آكَدَهُ، وَآكَدَهُ عَشْرهُ الأَخِيرُ لِمَا وَرَدْ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانْ.
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانْ فَلَمْ يَعْتَكِفْ عَامًا، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ المُقْبِلِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ.
أَمَّا كَوْنُهُ لا يَصِّحُ مِنَ الكَافِرْ، فَلأَنَّهُ مَنْ فُرُوعِ الإِيمَانِ، وَلا يَصِحّ مِنْهُ كَالصَّوْمِ، وَأَمَّا مَنْ زَالَ عَقْلُهُ كَالمَجْنُونِ فَلأنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلَِ العِبَادَاتِ فَلَمْ يَصِحّ مِنْهُ.
أَمَّا كَوْنُهُ لا غُسْلَ عَلَيْهِ فَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «إِنّي لا أُحِلُّ المَسْجِدَ لِحَائِضٍٍ وَلا جُنُبْ».
وَأَمَّا كَوْنُهُ فِي مَسْجِدٍ فَلِقَوْلِهِ تَعَالِى: {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} وَلا يَصِحُّ إِلا فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الجَمَاعَةْ، لأَنَّ الاعْتِكَافَ في غَيْرِهِ يُفْضِي إِمَّا تَرْكِ الجَمَاعَةِ، أَوْ تَكَرُّرِ الخُرُوجِ إِلَيْهَا كَثِيرًا مَعَ إِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ وَهُوَ مُنَافٍ لِلاعْتِكَاف.
والاعْتِكَافُ فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الجُمَعُ أَفْضَلُ، لِئَلا يَحْتَاجَ إَلَى الخُروجِ إِلَيْهَا، وَلأنَّ ثَوَابَ الجَمَاعَةِ فِي الجَامِعِ أَكْثَرُ وِلأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اعْتَكَفَ فِي المَسْجِدِ الجَامِعِ.
وَيَجِبُ الاعْتِكَافُ بِالنَّذْرِ، قَالَ ابْنُ المُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ العِلْمِ عَلَى أَنَّ الاعْتِكَافُ لا يَجِبُ عَلَى النَّاسِ فَرْضًا إِلا أَنْ يُوجِبَ المَرْءُ عَلىَ نَفْسِهِ الاعْتِكَافُ نُذْراً لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ الله فَلْيُطِعِهُ».
وَالأَفْضَلُ أَنْ يَعْتَكِفَ بِصَوْمِ، وَلأَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ في شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِن اعْتَكَفَ بِغَيْرِ صَوْمٍ جَازَ، لِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، قَال: «فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ».
وَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ شَرْطًا فِيهِ لَمَا صَحَّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ، وَكَالصَّلاةِ وَسَائِرِ العِبَادَاتِ.
وَلا يَصِحُّ اعْتِكَافُ الأَبْنَِيَةِ لأنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، وَلِحَدِيثِ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَاتِ».
وَمَنْ نَذَرَ الاعْتِكَافَ أَوْ الصَّلاةَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ الثَّلاثَة، وَهِيَ: المَسْجِدُ الحَرَامُ، وَمَسْجِدُ المَدِينَةِ، وَالمَسْجِدُ الأَقْصَى، جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي غَيْرِهِ لأنَّهُ لا مَزِيَّةَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ.
وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ لَزِمَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، قَالَ: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ».
وَلأنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ المَسَاجِدُ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُسْقِطَ فَرْضَهُ بِمَا دُونَهُ.
وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ المَدِينَةِ جَازِ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ في المَسْجِدِ الحَرَامِ لأنَّهُ أَفْضَلَ مِنْهُ وَلِمْ يَجُزْ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي المَسْجِدِ الأَقْصَى لأنَّ مَسْجِدَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ مِنْهُ.
وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي المَسْجِدَ الأَقْصَى جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي أَيِّ المَسْجِدَيْنِ أَحَبَّ لأنَّهُمَا أَفْضَلَ مِنْهُ. بِدَلِيل قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفَ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلا المَسْجِدَ الْحَرَامِ».
وَلا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِمَا رَوْتَ عَائِشَةُ رَضِي اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيُدْخِلُ عَلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِي المَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لا يَدْخُلَ البَيْتَ إِلا لِحَاجَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا.
وَعَنْهَا رَضِي اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: السُّنَّةُ عَلَى المُعْتَكِفِ أَنْ لا يُعُودَ مَرِيضًا، وَلا يَشْهَدَ جَنَازَةً، وَلا يَمِسُّ امْرَأَةً وَلا يُبَاشِرَهَا، وَلا يَخْرُجَ لِحَاجِةِ إِنْسَانِ إِلا مِمَّا لابد مِنْهُ، وَلا اعْتِكَافَ إِلا بِصَوْمٍ، وَلا اعْتِكَافُ إلا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ.
فَإِنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطُلَ اعْتِكَافُهُ، لأنَّ الاعْتِكَافَ اللُّبْثُ في المَسْجِدِ فَإِذَا خَرَجَ فَقَدْ فَعَلَ مَا يُنَافِيهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَا لَوْ أَكَلَ فِي الصَّوْمِ ذِاكِرًا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ وَلا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ، وَكَذَا إِنْ خَرَجَ مِنَ المَسْجِدَ نَاسِيًا لِمْ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».
وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ التَّشَاغُلِ بِفعل القُرَبِ كَقِرَاءَةِ القُرْآنِ وَالأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةِ، وَالصَّلاةِ وَذِكْرُ اللهِ وَنَحْوَ ذَلِكْ.
وَسُنَّ لَهُ اجْتِنَابُ مَا لا يَعْنِيهِ مِنْ جَدَلٍ وَمِرَاءٍ وَكَثْرَةِ كَلامٍ لَمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ».
فائدة:
قيل للقمان: مَا بَلَغَ ما نَرى؟ يُرِيدُونَ الفَضْلَ، قال: صِدْقُ الحَدِيثِ، وَأَدَاءُ الأَمَانة، وَتركُ مَا لا يَعْنِي.
عَلَى فِيكَ مِمَّا لَيْسَ يُغْنِيكَ شَأْنُهُ ** بِقُفِلٍ وَثَيقٍ مَا اسْتَطْعَتْ فَاقْفِل

اللَّهُمَّ يَا خَالِقَ الخَلْقِ يَا قَيُّومُ نَسْألُكَ بِأَسْمائِكَ الحُسْنَى أَنْ تنصُرَ الإِسْلامِ وَالمُسْلِمِينَ وَأَنْ تُعْلِي بِفَضْلِكَ كَلِمَةَ الحَقِّ وَالدِّينِ وَأْن تَشْمَلَ بِعَنَايَتِكَ وَتَوْفِيقِكِ كُلَّ نَصَرَ الدِّينَ وَأَنْ تَمْلأ قُلُوبَنَا بِمَحَبِّتَكَ وَمَحَبَّةِ مِنْ يُحبُّكَ وَأَنْ تَأْخُذَ بِنَوَاصِينَا إِلَى مَا تَرْضَاهُ وَأَنْ تَرْزُقْنَا الاسْتِعْدَادَ لِمَا أَمَامَنَا وَأَنْ تُهَوِّنَ أَمْرَ الدُّنْيَا عَلَيْنَا، وَأَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

.فصل في بِنَاءِ المسَاجِدِ وَآدَابِهَا:

وَيَبْحَثْ فِي:
- مَا وَرَدَ فِي الحَثِّ عَلَى بِنَاءِ المَسَاجِدِ وَثَوَابِهَا العَظِيم.
- مَا وَرَدَ فِي صِيَانَةِ المَسَاجِدِ عَنِ الأَقْذَارِ وَتَنْظِيفِهَا.
- مَا وَرَدَ فِي تَجَنُّبِ آكِلِ البَصَلِ وَالثَّوْمِ الصَّلاةِ في المَسَاجِدِ وَإِبْعَادِ الصَّغِيرِ والمجنون.
- يَنْبَغِي تَجْنِيبُ المَساجِدِ البيعَ وَالشِّرَاء وَرَفْعَ الصَّوْتِ وَنُشْدَانَ الضَّالَةِ فِيهَا.
- حُرْمَةُ المُبَالَغَةِ فِي زَخرَفَةِ المَسَاجِدِ.
- كَرَاهَةُ إلتْزَامُ مَوْضِعٍ مُعَيّنٍ مِنَ المَسْجَدِ لِلصَّلاةِ لِغَيْرِ الإمَامْ.
- مَا وَرَدَ في الحَثِّ عَلَى بِنَاءِ المساجِدِ وَثَوَابِهَا العظيمْ:
بِنَاءُ المَسَاجِدِ في الأَمْصَارِ وَالقُرَى وَالمَحَالِّ وَنَحْوِهَا حَسَبِ الحَاجَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَيُسْتَحَبُّ اتِّخَاذُ المَسَاجِدِ فِي الدَّورِ، وَتنْظِيفِهَا وَتَطْييبِهَا، قَالَ تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ...} الآية. لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المَسَاجِدِ فِي الدّورِ، وَأَنْ تُنَظِّفَ وَتُطَيَّبْ.
وَلَمْ أَرَى لِلْخَلائِقِ مِنْ مُرَبٍّ ** كَعْلْمِ الشَّرْعِ يُؤخَذُ عَنْ ثِقَاتِ

بِبَيْتِ اللهَ مَدْرَسَةِ الأَوَالَي ** لِمَنْ يَهْوَى العُلُومُ الرَّاقِيَاتَ

وَعَنْ عُثْمَانَ بنُ عَفَّانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: «مَنْ بِنْى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الجَنَّة».
وَعَنِ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحِصَ قَطَاةٍٍ بَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّة».
وَعَنْ عُمَرَ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ الله، بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا في الجنة».
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَنَى بَيْتًا يُعْبَدُ اللهُ فِيهِ مِنْ مَالٍ حَلالٍ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا في الجَنَّة».
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةٍ رَضِي اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لا يُرِيدُ رِيَاءً وَلا سُمْعَةً بِنَى اللهُ لُهُ بَيْتًا فِي الجنة».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عُنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مَمَّا يَلْحَقُ المُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، أَوْ وَلَدًا صَالِحًا تَرَكَه، أَوْ مُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صَحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، تَلْحَقُهُ بَعْدِ مَوْتِهِ».
وَأَحَبُّ البِلادِ إِلى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأبغَضُ البلادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَحَبُّ البلادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ البِلادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا».
اللَّهُمَّ أَتْمِمْ عَلَيْنَا نِعْمَتَكَ الوَافِيَةَ وَارْزُقْنَا الإخْلاصَ فِي أَعْمَالِنَا وَالصِّدْقَ في أَقْوَالِنَا وَعُدْ عَلَيْنَا بِإصْلاحِ قُلُوبِنَا، وَاغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.